تطورات الأزمة الليبية
سوف نستكمل في هذا المقال ما بدأناه في المقال السابق من التحدث عن الأزمة الليبية وتطوراتها منذ الثورة الليبية في فبراير 2011 وتوقفنا عند الحديث عن اتفاق الصخيرات الذي نتج عنه ظهور حكومة الوفاق برئاسة رجل الأعمال فايز السراج وسوف نتحدث عن النقاط التالية :
- موقف أطراف الأزمة من الإتفاق
- الأطرف الخارجية التي أثرت في الأزمة الليبية ومصالح كل طرف
أولا: موقف أطراف الأزمة من إتفاق الصخيرات
في البداية رفضت حكومة الإنقاذ برئاسة الغويل والحكومة المؤقتة برئاسة الثني إتفاق الصخيرات وتسليم السلطة إلى حكومة الوفاق وأصدرت حكومة الإنقاذ بيان مفاداه أن كل من يتعامل مع القرارات الصادرة عن حكومة الوفاق سيعرض نفسه للمسائلة القانونية ولكن عدلت عن هذا بعد ذلك وأعلنت عن تسليم السلطة إلى حكومة الوفاق لحقن الدماء وسلامة الوطن من الإنقسام والتشظي وبناءاً على ذلك أعلن برلمان طبرق في جلسة عقدت في 2016 تأييده لإتفاق الصخيرات وتسليم السلطة لحكومة الوفاق التي حظيت بدعم سياسي كبير حيث أعلنت بلديات مدن في الغرب والجنوب الليبي الولاء لها بالإضافة إلى تأييد المؤسسات المالية والإقتصادية الرئيسية مثل المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس وأصبح لدينا في ليبيا حكومة معترف بها دولياَ وهي حكومة الوفاق وعلى رأسها برلمان طبرق كسلطة تشريعية بالإضافة إلى حكومة غير معترف بها دوليا وهي الحكومة المؤقتة برئاسة الثني.
ثانياً: الأطراف الخارجية ومصالح كل طرف
تتمثل هذه الأطراف في مصر وتركيا وفرنسا والإمارات وروسيا ولأن مصر وتركيا أهم الأطراف المؤثرة في الأزمة الليبية فسوف نقتصر في مقالنا هذا عليهم ونعرض الأطراف اأخرى لاحقاً في مقال منفصل.
دور مصر في الأزمة الليبية:
يعتبر الأمن القومي هو السبب الرئيسي للتدخل المصري في الأزمة الليبية ذلك لأن مع تدهور الأوضاع في ليبيا انتشرت التنظيمات المسلحة والجماعات الإرهابية في شرق ليبيا على الحدود المصرية خاصة في سرت وبني غازي ودرنة.
في البداية لم تتدخل مصر في الوضع الليبي بسبب انشغالها بالأوضاع الداخلية ولكن مع تولي الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر تحسنت الأوضاع في مصر خاصة السياسية وبدأت تنظر إلى الجوار الليبي، ومنذ أن تدخلت مصر في الأزمة الليبية وهي تدعم حفتر وعملياته ويؤكد على ذلك التصريحات التالية:
- التصريح الأول من الرئيس السيسي:
مصر تدعم الجيش الوطني الليبي ممثلا في حفتر لأنها ترى أن هذا هو الطريق الأمثل للتخلص من الإرهاب ودعم قيام ليبيا من جديد
- التصريح الثاني من اللواء خليفة حفتر:
وجود مصر إلى جوارانا يبعث في أنفسنا الطمأنينة بأننا لسنا بمفردنا في هذا العالم
وسبب الدعم المصري لحفتر أن إنتشار التنظيمات الارهابية في شرق ليبيا على الحدود المصرية كان مثيراً لقلق السلطة في مصر وبالتالي كان من الضروري البحث على شخص تستطيع مصر الاعتماد عليه في ليبيا وكان حفتر هو الرجل المناسب خاصة بعد فشل حكومة طرابلس في السيطرة على هذه التنظيمات وترويج حفتر لنفسه على أنه منقذ ليبيا من الإرهاب.
وكان أول تدخل عسكري مصري صريح بعد ذبح 21 مصرياً في مدينة سرت الليبية على يد تنظيم ولاية طرابلس التابع لداعش لذلك قام الجيش المصري بضرب قواعد التنظيم في مدينة درنة وبعد ذلك بشهر تقريباً قام حفتر بإطلاق عملية كرامة ليبيا لتطهير بني غازي من التنظيمات الإرهابية بدعم مصري وأعتبر برلمان طبرق حفتر قائد عام للجيش الليبي كما ذكرنا سابقاً مما ساعد على تقوية مركزه أمام القيادة المصرية.
بعد ذلك نجح حفتر في السيطرة على منطقة الهلال النفطي في إطار عملية البرق الخاطف وظهرت أثناء ذلك شائعات تدين مصر بأنها تريد السيطرة على ثروات ليبيا النفطية خاصة بعد قيام المستشار القانوني لقوات حفتر المستشار صلاح عبدالكريم بمداخلة هاتفية على قناة مصرية وقال أن مصر يجب عليها الاستفادة من النفط الليبي نظير دعمها لعمليات حفترولكن نفت مصر ذلك على لسان رئيسها لاحقاً وساعد على انتشار تلك الشائعات أن مصر كانت تعاني من ضائقة إقتصادية في ذلك الوقت ولكن كان لديها دعم نفطي من الخليج فلم تكن بحاجة إلى النفط الليبي.
وفي الأونة الأخيرة أعلن الرئيس السيسي أن مدينتي سرت والجفرة خط أحمر بالنسبة للأمن القومي المصري حيث تكمن أهميتهما في كونهما مداخل للسيطرة على منطقة الهلال النفطي ولإدراك مصر أن تدخل الدول الكبري وحلف الناتو في البداية كان بهدف معين و هو تأمين الثروات النفطية فرأت استمرار سيطرة حليفها حفتر على النفط في ليبيا يمثل عامل قوة له بالإضافة أن ميناء سرت يعد ميناء استراتيجي يمكن استخدامه لتقديم الدعم إلى الجماعات الإرهابية في الداخل.
دور تركيا في الأزمة الليبية
منذ عهد القذافي والعلاقات اللبيبة التركية تتسم بالاستقرار السياسي والتعاون الإقتصادي حيث كانت تمتلك ليبيا 304 عقداً تجاريأ في ليبيا خاصة في مجال البناء وكان مستوى التبادل التجاري بين أنقرة وطربلس حتى 2010 قد وصل إلى 10مليار دولار وبلغ مجمل الاستثمارات التركية قبل أحداث فبراير 2011 إلى 100 مليار بالإضافة إللى استيعاب ليبيا 25 ألف عامل من تركيا وكانت آيضاً سوقاً للمنتجات التركية وكان يزور تركيا سنويا 25 ألف ليبي فبعد سقوط نظام القذافي كان من الضروري لتركيا تأمين مستحقاتها التي كات تُقدر بمليار دولار فبدأت تبحث عن فاعلين لتأمين مصالحها في ليبيا ووقع إختيارها على جماعة الإخوان وكانوا في ذلك الوقت لهم وجود في طرابلس بالإضافة إلى علاقاتهم بالمؤتمر الوطني العام.
ومع دعم مصر لحفتر ونجاحه في تطهير الشرق من المليشيات المسلحة بدأت المصالح تتعارض بين مصر و تركيا خاصة بعد خسارة التنظيمات الإسلامية في إنتخابات برلمان طبرق وكان ذلك ضرب للنفوذ التركي في ليبيا وظهرت حاجة تركيا لزيادة الدعم في ليبيا لذلك بدأ التعاون بين حكومة الوفاق برئاسة السراج والرئيس التركي أردوغان خاصة بعد غضب حكومة الوفاق من التدخلات العسكرية المصرية لأنها تمت بدون تنسيق معهم بالإضافة لدعم مصر لحفترالمدعوم من قبل برلمان طبرق وحكومة الثني المعارضة لحكومة الوفاق ومن هنا بدأت المصالح تتلاقى بين حكومة السراج و أردوغان.
- إنشاء منتدى غاز المتوسط مع الأردن و فلسطين و اسرائيل و اليونان و قبرص و إيطاليا.
- توقيع اتفاقيات مع شركات اسرائليية عن طريق شركة مصرية خاصة لاستيراد الغاز من اسرائيل وتسييله ثم إعادة تصديره إلى أوروبا.
- توقيع إتفاقيات ترسيم حدود بحرية مع قبرص ثم اليونان لضمان حصص مصر من غاز المتوسط مما آثار غضب تركيا بسبب توتر علاقاتها مع قبرص واليونان.
تسببت التحركات المصرية في ملف غاز المتوسط في ضياع حلم تركيا بأن تصبح مصدر تصدير الغاز إلى أوروبا لذلك أمر أردوغان بالتنقيب عنوة في المتوسط، ولكن قابل الإتحاد الأوربي ذلك بالرفض والإنتقاد بالإضافة إلى توعد عسكري مصري خاصة بعد تطور السلاح الجوي والبحري للجيش المصري في تلك الفترة.
لذلك رأى أردوغان أن زيادة النفوذ والتواجد التركي في ليبيا هو الحل الأمثل لتحقيق خطط تركيا في المتوسط فقام أردوغان بتوقيع إتفاقية ترسيم حدود بحرية مع السراج في نوفمبر 2019 واشتملت على انشاء منطقة إقتصادية تمتد من ساحل تركيا الجنوبي وحتى الساحل الشمالي الشرقي الليبي وهذه المنطقة هي المزمع إقامة أنانبيب الغاز فيها بين دول منتدى غاز المتوسط وقُوبلت تلك الإتفاقية بالرفض الشديد حيث أنها كانت غير منطقية وغير قانونية:
- فمن الناحية المنطقية فالإتفاقية تتعدى على حقوق قبرص وجزيرة كريت ومصر في المتوسط.
- ومن الناحية القانونية فلا يحق لحكومة الوفاق توقيع إتفاقيات بدون موافقة برلمان طبرق وذلك وفقاَ لإتفاق الصخيرات.
تعليقات
إرسال تعليق